حكى ان الحجاج بن يوسف سال يوما الغضبان بن القبعثرى
عن مسائل يمتحنه فيها فقال له من اكرم الناس قال افقههم فى الدين
واصدقهم لليمين وابذلهم للمسلمين واكرمهم للمهانين واطعمهم
للمساكين قال فمن الأم الناس قال المعطى على الهوان والمفتر
على الاخوان والكثير الالوان قال فمن شر الناس قال اطولهم جفوة وادومهم صبوة
واكثرهم خلوة واشدهم قسوة قال فمن اشجع الناس قال
اضربهم بالسيف واقراهم للضيف واتركهم للحيف قال فمن اجبن الناس
قال المتأخر عن الصفوف المنقبض عن الزحوف المرتعش عند الوقوف
المحب ظلال السقوف الكاره لضرب السيوف قال فمن اثقل الناس
قال المتفتن فى الملام الضنين بالسلام المهزار فى الكلام
المقبقب على الطعام قال فمن خير الناس قال اكثرهم احسانا
واقومهم ميزانا وادومهم غفرانا واوسعهم ميدانا قال لله ابوك فكيف تعرف
الرجل الغريب احسيب هو ام غير حسيب قال
اصلح الله الامير ان الرجل الحسيب يدلك ادبه وعقله
وشمائله وعزة نفسه وكثرة احتماله وبشاشته وحسن مداورته على اصله فالعاقل
البصير بالاحساب يعرفه والنذل الجاهل يجهله
فمثله كمثل الدرة اذا وقعت عند من لايعرفها ازدراها
واذا نظر اليها العقلاء عرفوها واكرموها فقال الحجاج لله ابوك فما العاقل والجاهل
قال اصلح الله الامير العاقل الذى لايتكلم هزرا ولاينظر شزرا ولايضمر غدرا ولايطلب عذرا والجاهل هو المهزار فى كلامه المنان بطعامه الضنين بسلامه المتطاول على امامه الفاحش على غلامه قال لله ابوك فما الحازم الكيس قال المقبل على شأنه التارك لما لايعنيه قال فما العاجز قال المعجب بآرائه الملتفت الى ورائه فقال له الحجاج ياغضبان انى موجهك الى بن الاشعث وافدا فماذا انت قائل له قال اصلح الله الامير اقول ما يرديه ويؤذيه ويضنيه فقال انى لاظنك لاتقول له ماقلت وكأنى بصوت جلاجلك تجلجل فى قصرى هذا قال كلا اصلح الله الاميرسأحدد له لسانى واجريه فى ميدانى..فامره الحجاج بالمسير الى كرمان فلما توجه الى بن ابى الاشعث وهو على كرمان بعث الحجاج ورائه عينا اى جاسوس وهذه عادة الحجاج مع جميع رسله فلما قدم الغضبان على ابن الاشعث قال له ان الحجاج قد هم بخلعك وعزلك فخذ حذرك كله قبل ان يأكلك فاخذ الرجل حذره وامرله بجائزه فاخرة فاخذها وانصرف راجعا فاشتد عليه الحروالقيظ فرمال كرمان شديدة الرمضاء فضرب قبه له يستريح فيا وحط رواحله فبينما هو كذلك اذا اعرابى من بنى بكر بن وائل وقد اقبل عليه قاصدا قبته وقد اشتد عليه الحر وقت الظهيره وقد ظمىء ظمأ شديدا فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال الغضبان هذه سنه وردها فريضه قد فاز قائلها وخسر تاركها ما حاجتك يا اعرابى قال اصابتنى الرمضاء وشدة الحر والظمأ فتيممت قبتك ارجو بركتها قال الغضبان فهلا تيممت قبه اكبر من هذه واعظم قال ايتهن تعنى قال قبة الامير بن الاشعث قال تلك لايوصل اليها قال ان هذه امنع منها فقال الاعرابى ما اسمك يا عبد الله قال آخذ فقال وماذا تعطى قال اكره ان يكون لى اسمان قال بالله من اين انت قال من الارض قال واين تريد قال فامشوا فى مناكبها قال الاعرابى وهو يرفع رجل ويضع الاخرى من شدة الحر أتقرض الشعر قال انما الفأر يقرض قال افتسجع قال انما تسجع الحمامة قال ياهذا ائذن لى ان ادخل قبتك قال خلفك اوسع فقال قد احرقنى حر الشمس قال مالى عليها من سلطان قال الرمضاء احرقت قدمى انى لااريد طعامك ولاشرابك قال لاتتعرض لما لاتصل اليه ولو تلفت روحك قال الاعرابى سبحان الله ماعندك غير هذا قال بلى عندى هراوة اضرب بها رأسك فاستغاث الاعرابى ياجار بنى كعب قال الغضبان بئس الشيخ انت فوالله ما ظلمك احد حتى تستغيث قال العرابى ما رايت رجلا اقسى منك اتيتك مستغيثا فحجبتنى وطردتنى هلا ادخلتنى قبتك وطارحتنى القريض قال مالى بمحادثتك من حاجة فقال الاعرابى بالله مااسمك ومن انت قال انا الغضبان بن القبعثرى فقال اسمان منكران خلقا من غضب قال قف متوكا على باب قبتى برجلك هذه العوجاء قال الاعرابى قطعها الله ان لم تكن خير من رجلك هذه الشنعاء قال الغضبان لوكنت حاكما لجرت فى حكومتك لان رجلى فى الظل قاعدة ورجلك فى الرمضاء قائمة قال الرجل انى لاظنك حرور قال اللهم اجعلنى ممن يتحرى الخير قال انى لاظنك عنصرا فاسدا قال ما اقدرنى على اصلاحه قال الرجل لا ارضاك الله ولاحياك ثم تولى وهو يقول
لابارك الله فى قوم تسودهم***انى لاظنك والرحمن شيطانا
أتيت قبته ارجو ضيافته***فاظهرالشيخ ذو القرنين حرمانا
فلما قدم الغضبان على الحجاج وقد ابلغه الجاسوس بما جرى بينه وبين بن الاشعث وبين الاعرابى فقال له الحجاج ياغضبان كيف وجدت ارض كرمان قال اصلح الله الامير ارض يابسه والجيش بها ضعاف قال الحجاج الست من قلت للاشعث كله قبل ان ياكلك فوالله لاحبسنك عن الوساد ولانزلنك عن الجياد ولاشهرنك فى البلاد قال الامان ايها الامير فوالله ما ضرت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له فقال الم اقل لك كأنى بصوت جلاجلك تجلجل فى قصرى هذا اذهبو به الى السجن فمكث فى السجن الى ماشاء الله حتى شيد الحجاج بناية عظيمة فقال لملائه كيف ترون قبتى هذه وبناءها قالوا ايها الامير انهاحصينه مباركة منيعة نضرة بهجة قليل عيبها كثير خيرها قال لالا لم تخبرونى بنصح قالوا لايصفا لك الا الغضبان فبعث اليه فاحضروه فقال له كيف ترى قبتى هذه وبناءها قال اصلح الله الاميربنيتها فى غير بلدك لالك ولالولدك لاتدوم لك ولايسكنها وارثك ولاتبقى لك وما انت لها بباق فقال الحجاج قد صدق الغضبان ردوه الى السجن فلما حملوه قال سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فقال انزلوه فلما نزل قال رب انزلنى منزلا مباركا وانت خير المنزلين قال اضربوا به الارض فلما ضربوا به الارض قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى فقال جروه فاقبلوا يجرونه وهو يقول بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم قال الحجاج ويلكم اتركوه قد غلبنى دهاء وخبثا ثم عفا عنه وانعم عليه